الإيجابية ،، الوصمة الجديدة
كثر الحديث مؤخراً عن موضوع الإيجابية و مفاهيمها كالأمل و التفاؤل و السعادة و البهجة و المرونة وغيرها .. حتى بدأ الأفق يضيق بالبعض و يشعر بمشاعر و انفعالات سلبية تجاه بعض المبالغات في تمجيدها و خاصة ممن يواجه معاركه مع تحديات الحياة
بداية ينبغي الإشارة إلى أن هذه المفاهيم هي من اهتمامات علم النفس الإيجابي الذي يعتبر فرع أصيل من فروع علم النفس أسسه عالم النفس مارتن سيليجمان عام ١٩٩٨م .. تناول علم النفس الإيجابي هذه المفاهيم و غيرها كالفضائل الإنسانية بالدراسة العلمية و استخرج على أساسها الكثير من الاستنتاجات العلمية الرائعة و المتوازنة ، قد يكون من أهمها عدم إنكار الانفعالات و المشاعر السلبية للفرد.
لم يأت علم النفس الإيجابي ليحل بديلاً عن الفروع الأصيلة الأخرى لعلم النفس كعلم النفس العيادي مثلاً . ينبغي الإشارة أن هناك ما يسمى بـ "علوم" زائفة اقتطعت من علم النفس الإيجابي بعض ثمار استنتاجاته و تناست جذورها العلمية .. و للأسف قدمتها للمجتمع بصورة سطحية بعيدة كل البعد عن العمق العلمي الذي يفسرها .
هناك من يشعر بالسعادة في حياته و لكنه يرغب بزيادتها و بتعزيز نقاط القوة لديه كالحكمة و الشجاعة وغيرها على سبيل المثال و هنا يرحب علم النفس الإيجابي به و يقدم له الخدمة المطلوبة .. بينما هناك من يمر بمشكلات أو اضطرابات نفسية و يقوم بشجاعة بالبحث عن العلاج و هنا يفتح علم النفس العيادي ( الإكلينيكي ) له أبوابه بأصالته العلمية ليقدم الخدمة لهذا الشخص ..
الخلط بين هذه الأمور الدقيقة التي قد لا يتنبه لها الكثير أدى لنشوء وصمة جديدة لمفهوم الإيجابية .. حيث تصورها البعض كوجه مبتسم يوحي بسعادة مصطنعة في عالم وردي خيالي لا وجود فيه لمشاعر سلبية كالحزن و الغضب و الخوف و غيرها .. وهذا بالطبع مفهوم سطحي لا يمت للحقيقة بصلة ..
كمتخصصة في علم النفس أتمنى أن لا يأت اليوم الذي ترتبط فيه هذه "المفردة " بمفهومها العلمي الدقيق بمشاعر سلبية مصدرها علوم زائفة .. آمل أن لا نكره الأمل و التفاؤل و السعادة ونتشبث باليأس و الحزن والتشاؤم بحجة عدم الواقعية و بسبب مبالغات سطحية لا أساس لها من الصحة .. كأفراد جميعنا قد يمر بمشاعر سلبية أو بمشكلة نفسية عابرة أو يعاني من اضطراب نفسي حقيقي و هنا الممارسات العلاجية المستندة على مفاهيم علم النفس الإكلينيكي تقوم بمسؤولياتها .. كمختصين في علم النفس دورنا التوعية بفروعه الأصيلة و ممارساته العلاجية بكل صدق و موضوعية و ليس تعزيز وصمة جديدة في علم النفس قد يكون ضحيتها أجمل معاني الحياة.