الصدمة بالإنابة
الممارسون الصحيون بكل تخصصاتهم من أكثر فئات المجتمع تعرضًا للإجهاد النفسي والعصبي والجسدي؛ كونهم أكثر تعرضًا ومخالطة لمعاناة الناس.. فهم لا يرون ما يسرهم عندما يشاهدون ويسمعون آلام الناس ومعاناتهم، خاصة مع الأمراض الخطيرة والمميتة والأوبئة، ولأنهم بشر ولديهم مسؤوليات وأسر فهم أكثر تعرضًا للأوبئة والفيروسات من غيرهم لاحتكاكهم المباشر بالمصابين، ما قد يعرض حياتهم للخطر.. وهذه العوامل مجتمعة تؤثر في حياتهم، خاصة أنهم مؤمنون وملتزمون بالأخلاق المهنية والإنسانية.
علماء النفس أجروا عديدًا من الدراسات لمثل هذه العوامل وتأثيرها في الممارس الصحي، ووجدوا أن الممارسين الصحيين عندما يتعاملون مع المرضى المصدومين بمرضهم أو العنف وبالأمراض التي تهدد حياتهم ومن يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، فإن تعاطفهم ومشاعرهم تجاه من يعانون من الأمراض والأوبئة والكوارث مع الوقت قد يصيبهم بنفس اضطراب ما بعد الصدمة، وهو ما أطلقوا عليه اضطراب الصدمة بالإنابة، ووصفوا الأعراض بأنها قد تكون مشكلات عاطفية وانخفاضًا في مشاعر الثقة والأمان، إضافة إلى ردود الفعل العاطفية الشديدة؛ لأن الصدمة بالإنابة تؤثر في معتقداتهم واستجاباتهم وعلاقاتهم الشخصية والمهنية، خاصة أنهم إضافة إلى تلك العوامل المؤثرة والمثيرة هم في الأصل أشخاص مثلهم مثل بقية الناس، لديهم حاجات ومطالب شخصية واجتماعية، وعليهم مسؤوليات حياتية وأهداف شخصية وأسرية واجتماعية مطلوب منهم أن يلبوها ويحققوها.
علماء النفس قدموا عديدًا من التوصيات للقادة الصحيين والمشرعين بضرورة إعداد السياسات والبرامج والتدابير التي تسهم في الوقاية وعلاج آثار تلك الصدمات وتوفير برامج الرعاية المختلفة سواء نفسية أو اجتماعية واقتصادية لهم، ناهيك عن أهمية إعداد وتدريب الطلبة الصحيين منذ البداية على إدارة والتعامل مع الإجهاد النفسي والعصبي والجسدي وعدم الانخراط الشديد في التعاطف مع العملاء وكيف نعزز رضانا وتحقيق ذاتنا من التعاطف الإيجابي المرتبط بالأخلاقيات المهنية والإنسانية والقيمية، والتدريب على كيفية التعامل مع الصدمات والأعمال اللصيقة بالصدمات وبالأمراض المهددة للحياة وأيضًا المنقذة للحياة كأقسام الطوارئ والإنقاذ والإسعاف وما في حكمها..
وهناك كثير من التوصيات التي قدمت - على سبيل المثال - برنامج مساعدة الممارسين الصحيين على تحديد استراتيجيات الرعاية الذاتية الخاصة بهم، ثم وضع خطط لأنشطة متعددة تتناسب مع روتينهم اليومي مثل كتابة اليوميات والمذكرات التي تبرز وتعزز دورهم الإنساني والأخلاقي والتدريب على برامج اليوغا والتأمل والاسترخاء وأخذ إجازات استرخائية متكررة وقصيرة والقليل من الخلوات التصالحية مع النفس وتكثيف برامج التحفيز المادي والمعنوي والاجتماعي وحمايتهم من الانتقادات غير المسؤولة خاصة من وسائل التواصل والإعلام وتوفير وثيقة أخلاقية قانونية إعلامية صحية لتحقيق تلك الأهداف.